أزمات الشباب النفسية
إنها أزمات واضطرابات وليست بأمراض، تنال من شباب اليوم أكثر، وأعنى بالشباب هؤلاء من أواخر المراهقة حتى بدايات الثلاثينات من عمرهم في وظائف جيدة أو لا يعملون، يعيشون مع أهاليهم، وأغلبهم يعانى من التوتر والقلق والاكتئاب والتفكير المستمر أو الإحساس بالعجز النفسى، وعدم القدرة على عمل أي شىء، والقلقون على صحتهم دونما سبب عضوى Worried Sick، وهؤلاء في منطقة الراحة ولا يريدون الخروج منها، إلى الخائف من الفشل كالخائف من العفريت فيطلع له، والقائمة طويلة.
وإذا أخذنا عينات عشوائية ممن عاودوا العيادة النفسية مؤخرًا لأسباب غير مرضية لها طابع شديد أو وراثى، سنجد أن «W» في منتصف العشرينات شاب وحيد على أخواته البنات، يضحك عاليًا في استهزاءٍ بنفسه.. كسول جدًا، ويتمنى الموت، ويقرأ قصصًا كوريةً مترجمة، كان يشرب الحشيش ويصيع ويدمن الاستمناء، وفجأة أقلع عن كل شىء.. لا يتحمل أي مسؤولية ويرميها على والدته، والدته والبنات معسكر ستات في بعضهم البعض، أبوه الحاضر الغائب عنيف، يقول: «أنا لا أحب أبى لكنى شبهه في شكله وتردّده، أنا ضمن شلة كلنا ِصيَّع، كنا في بلاد الخليج زمان، وأمى شيلتنى همّها، معرفتش أعيش مراهقتى، اتخرجت من كلية معقولة لكن ما اشتغلتش، لما بنام باصحى كل ساعة خايف».
يلخص هذا الأزمة القاسية التي زادت سوءًا بعد كوفيد 19 وحرب روسيا وأوكرانيا، والتضخم وتبعاته وندرة الوظائف و«لا حلّ فورى»، لكن أهم من العلاج إدارة الحالة، بمعنى كيف نعيد تخطيط حياته وتغيير نمطها، وكيف ننزع اليأس ونبُث الأمل، كيف نعيد الثقة لهذا الشاب في تلك المحنة، لابد أن يكون هناك مُلهم، قد يكون المعالج أو الخال أو الجار أو شريط فيديو، واحد من الناس غير الأهل ربما؟ إنه يحتاج إلى الطمأنة والاستقرار، ولأن يفهم ما هي الأزمة ومفاتيح حلّها، وأن يؤمن بنفسه، وأن يعمل طبق خطة مشتركة مع المُلهم أو المُعالج، خطة يلتزم بها تمامًا.
أما «T» فهى خريجة كلية مرموقة، مثقلةٌ بالهموم ومتوترة، اضطرت لأن تتخصص في مجالٍ لا تحبه، تتفادى النظر إلى محدثها مباشرةً، وتهرب إلى داخلها، يضطرب نومها وتجتاحه الكوابيس، تحب القراءة جدًا، حساسة إلى درجة كبيرة.. على وشك الزواج. وتحتاج إلى أن تغوص إلى جذور كل أعراض الأزمة، وأخطرها فقدان الشغف، وأهم أسلحتها أنها تحب القراءة، إذن فلنقرأ بشكل منتظم، لعمل روائى يرتفع بالشأن ويرفع الهامة، وتتدفق منه الكلمات إلى القلب وإلى الدماغ لتشعلهما، ولنضع ترتيبًا لأوليات التحرك بعد حلّ الأزمة وتفنيد كل نقاط الضعف فيها، أن تتعلم «T» أن تخرج إلى الهواء الطلق، لتتمشى حوالى نصف ساعة مساءً، ولتشرب شرابًا طبيعيًا يسمح بنوم هادئ، وأن نفسر ونناقش تلك الكوابيس التي ما هي إلا تكثيف لأفكار ومخاوف حقيقية تتراكم يوميًا. فلتضحك و«تغنى»، وتخرج مع صديقاتٍ جُدُد، وأن تذهب لأماكن أخرى لم تطأها قدماها، وهكذا واحدة واحدة ستتحسّن الأمور، ولتتدرب على الضحك من القلب، أن تكتسب قدرات ومهارات جديدة، وأن تتخذ قرارات غير متوقعة، أن تبتهج وأن تؤمن أن هناك مخرجا، إن شاء الله.
أن تحكُم زمام الأمور، وتتحدّى نفسها، وأن تساعد المحتاج وتسمع الموسيقى الهادئة، وتخرج للنهار في المساحات الخضراء، أن تركب مركبًا شراعيًا في النيل، وليذيع المراكبى «الدنيا ربيع، والجو بديع».. وأن ترقص أمام مرآتها كطفلة تبدأ خطوتها، وأن تعود إلى قواعدها واعيةً ومتفهمة لخطوات تفكيك الأزمة وخطوات الخروج منها، رويدًا رويدًا وكل أزمة وليها حل، و«قفِّلى على كل المواضيع.. قفِّل».
TAGS