مقال

سماح يا أهل الهوى.. «الضغينة»

بواسطة
في
ديسمبر 2, 2022

شدا محمد قنديل بصوته العذب بأغنيته الأشهر «سماح يا أهل الهوى».. سمعها من لا يُسامح أبدًا؛ فسكنت الضغينة نفسه لتُعذِّبه وتقلق غيره

الضغينة كالوطواط، تلتصق بجلد الإنسان، ومن الصعب أن ينزعها إلا بالدمّ، أو تظلّ كما هى فى قاع القلب، تُفسِد الروح وتعكِّر المزاج وتؤذى الجسد، تظَلّ فى قلبِك لأنك تكتُم فى داخلك الجُرح والغضَب والغِلّ، لسبب قد يكون كبيرًا أو تافهًا.. ولكن لظروفِ حياتِك وتربيتك وطريقتك فى التفكير ستكون فى حالةٍ سيئة، حتى لو بدوت غير مهتم

عندما تكون الضغينة محور حياتك واهتماماتك ومشاكلك، ربما تكون غير قادرٍ على أن تُسامح، ويزداد الأمر سوءًا بينك وبين الآخر، وبينك وبين نفسك؛ فتعصى الحلول.. هنا يمكن أن تسامر صديقًا، أو تغيِّر نمَط حياتِك للأفضل، أو أن تشغل نفسك، لأن الفراغ أرضٌ خصبة تجعلك تأكل نفسك كما يأكل الدود أوراق القطن، أما إذا اشتعلت المسألة وصارت جحيمًا لا يُطاق، فمن الأفضل أن تلجأ إلى طبيبٍ نفسانى

حاول أن تسترخى، وأن تُسيِّر حياتك بسلاسة.. ولكن لماذا تظهر ضغائن سوء الفهم بين اثنين؟!؛ واحد يُقصى الآخر ويهمّشه، سواء بقصد أو بدون قصد، مثل أن تكون طريقة تعامله فيها تعالٍ، لم يكُ سوى اعتدادٍ بالنفس أو انشغال فى عمل معين ولا يُبيِّت للآخر سوء النية

هناك الخلافات العائلية التى تُعد مسرح عمليات دائمًا؛ فدائمًا ما تحتدم المشاكل فى بيت العائلة المُمتدَّة، الذى يسكنه الأبناء وزوجاتهم؛ فهذه الزوجة تختلف مع سِلفتها، والاثنتان تختلفان مع حماتهما، والحماة تفضل الثالثة، لأنها مُتسلِّقة وتعرف من أين يؤكل الكتف؛ فتتودَّد لحماتها وتُصبح لها «عصفورة» تنقل إليها الأخبار، وهنا تحدث الحساسية بين البيوت وتتفاقم وتصير هنا وهناك معسكرات وخصومات وتوقُّعات ليس لها أى صلة بالواقع مما يؤزِّم الموقف؛ فتحلّ القطيعة بين بيتين بينهما ممر صغير.. للأسف، هذا هو الحال فى بيوتٍ كثيرة

لكن لماذا يكتم الناس مشاعر سلبية فى داخلهم؟ هل هو حَسد أم غيرة؟، هل هو غَضب غير طبيعى وغير مبرر؟، هل هو اختلاف فى الثقافة وفى التربية؟، ويا تُرى هل وقع الظلم على أحدهما من الآخر فأصبح حساسًا أكثر من اللازم تجاه مَن أمامه فى هذا الموقف أو ذاك؟!.

من يجدون صعوبة فى تمرير بعض الأشياء البسيطة وربما يُهوِّلونها؛ يجعلون السماح شبه مستحيل، مع أنه على مرمى حجر

الحامل للضغينة طوال حياته يُخزِّن ويكتنز كما تُكْتَنَز الكراكيب، كأنه يجمع الصدمات وأخطاء الغير فى صندوقٍ أسود!، أو كأنه ينتظرها ليحتفظ بها داخله، مع وجود اتجاه شخصى عند بعض الناس لبتر العلاقات مع الآخرين، لذلك يعانون من الوحدة والخواء، وتكون توقعاتهم صارمة وغير مرنة بكل ما يخُص المستقبل

إذا حمل الآخر ضغينة منك؛ فإن المسألة تتعلّق به هو وليس بك أنت.. إنه يتصور أن الدنيا أبيض وأسود فقط، وربما دون أن يدرى يلعب دور الضحية ويعتبر نفسه ليس مسؤولًا عن التغاضى أو البدء من جديد، هناك تكمن قوة التَقَبُّل عندما تكون المسألة ذات جذور عميقة، وتكون ظروف الآخر سيئة ويعانى من اضطرابات نفسية.. هنا، يجب أن نعذُره.

أثبت البحث العلمى أن حَمْل الضغينة فى صدرك قد يُعرضك لأمراض القلب ويزيد من توترك ويصيبك بأعراض الإعياء المزمن، وكذلك فإن كتم مشاعر الضيق وعدم القدرة على الصفاء مع وضع شروط قاسية للتصالح كإثبات مادى لصدق النوايا يبدو صعبًا وكأن الأمر اتفاقية بين دولتين

سماح.. دون تنازل عن كرامتك

TAGS
RELATED POSTS
خليل فاضل
القاهرة، مصر

كاتب ومحلل نفسي، قاص وروائي، يعالج بالسيكودراما الحديثة في مصر، له مقال أسبوعي كل يوم جمعة ينشر في صحيفة المصري اليوم، كما تشهد له قنوات اليويتيوب بعديد من اللقاءات السخية نفسية واجتماعية، كما أنه يمارس مهنة الطب النفسي منذ حوالي 41 سنة

بحث
أحدث التعليقات