لا تدع الوسواس يقهرك

يقول الكاتب الكولومبى الراحل والأشهر جابرييل ماركيز الحاصل على جائزة نوبل للآداب «اتضح لى أن الوسواس القهرى الذى قضيت عُمرى مٌصابًا به، جعلنى أضع كل كلمة فى سياقها، وكل شىء فى مكانه، لم أستحِق جائزة نوبل لأن ذهنى مرتب، لا على العكس، إن أعمالى ترتكز على منظومة مُصطنعة، أتوارى خلفها للتمويه على الفوضى الرهيبة داخلى، إن مظهرى يوحى بالتَعقُل، بينما أنا فى الحقيقة مشوّش».

يقع الوسواس القهرى OCD ضمن اضطرابات التوتر والقلق، ويعتبر مرضًا عضويًا له أعراض نفسية سلوكية وذهنية، تتفاوت حدتها من البسيطة إلى الشديدة، ومن أعراضه التوتر الشديد والأفكار المُقتحمة التى تفرض نفسها على التفكير والمزاج، وأفعال مبالغ فيها يقاومها المريض، ويعلم جيدًا أنها خاطئة، ولكنه لا يستطيع إيقافها.

يتقاطع الوسواس القهرى مع الاكتئاب والخوف والشك والريبة، وتلك الأفكار المتكررة والصور المزعجة التى تسمَّى وساوس Obsessive، وتسبب حالة من الضغط النفسى تحول الحياة إلى جحيم.

لا توجد أسباب قاطعة تحدد منبع المرض، ولكن تشير الدراسات إلى العوامل الوراثية المُتجذّرة عائليًا، وإلى خلل فى خلايا المخ العصبية، تحديدًا الدوبامين، مع وجود بيئة معادية للصحة النفسية.

غالبًا ما يبدأ الوسواس القهرى فى سن المراهقة، لكنى رأيت فى العيادة النفسية أطفالًا من سن السادسة، يعانون منه بأشكالٍ مختلفة.

هناك وسواس النظافة، الذى يرتبط بوسواس الوضوء والطهارة، مع الخوف المُرعب من النجاسة، وكذلك الشكوك المتكررة حول إغلاق الباب أو الغاز، أو عدّ الفلوس مما يستدعى تكرار الفعل.

أسوأ الوساوس هى تلك التى تتمحور حول تحديق المُصاب فى المناطق التناسلية للآخرين فى الأماكن العامة، مما يتسبب فى إحراجٍ شديد.

تتسبب الوساوس المتعلقة بالنظافة فى بقاء المريض فى الحمام لفترة طويلة مما يؤزم الأمور فى العائلة، والانزعاج من مشهد الدم أو الإفرازات، مما يؤثر على العلاقة بين الزوجين سلبًا، ويخيم شبح الانفصال على أحد الطرفين، بينما يعانى الآخر من الإحساس المُضخم بالذنب.

هناك صور كثيرة ومتعددة منها نتف الشعر الذى يبدأ خاصة مع الفتيات فى سن صغيرة، أو وساوس أخرى تتعلق بشكل الوجه أو الجسم، مما يجعل المريض يرى نفسه دميمًا ويبدأ فى التركيز على الأمور الصغيرة بدون داع، ويستهلك وقتا كبيرا مما يتسبب فى مشاكل جمة فى العمل والدراسة.

وهنا من المهم على المريض أن يخبر نفسه دائما بأن فعله غير صحيح إنما هو وسواس وليس شيئا آخر، أصعب تلك الأعراض التى تتركز حول الذات الإلهية والعقيدة ولأن المريض مريض وليس عليه حرج، يؤكد عليه الطبيب ذلك وكذلك رجال الدين المتنورين، لكن بعض المرضى يخشون المحاسبة والعواقب الوخيمة التى قد يتلقونها مما يؤدى إلى إحساس مؤلم بالذنب ليس له أصل، كما أنه يعقد الاضطراب ويؤجل العلاج ويجعل الأعراض كلها وكأنها تدور فى دائرة مغلقة ليس لها مخرج.

العلاج النافذ الناجح يتطلب تعاون المريض وتعاون أهله لأن المسألة متعددة الوجوه، فهى ليست عقارا نفسانيا يتعامل مع مادتى الدوبامين والسيروتونين فقط. ولكن هى خلطة من أشياء كثيرة، كالعلاج الجدلى السلوكى DBT، والعلاج المعرفى السلكى CBT، والتدريب على التقاط الفكرة المضطربة قبل تحولها إلى فعل، وإلى ما يربط الحياة بشكل عام. بالإضافة لنمط الحياة، والعلاج النفسانى بدون أدوية بكل ما يحويه من طمأنة وحوار وحلول، ومساعدة الأهل فى البيت وتعليم المريض آليات عدم الخوف من المرض، وإدخال أنواع جديدة من المكملات الغذائية والطحالب والأعشاب التى وجدت أنها تكمل عمل العلاجات السابقة بشكل رائع وتؤتى بنتائج ممتازة.