التوتر الشديد بسمت الذهان
البون شاسع بين التوتر وبين الذهان، فمرضى القلق لديهم استبصار بالحالة ووعى بها، أما مرضى الذهان فلا يدركون أنهم مرضى، والمتوترون والواقعون تحت ضغطٍ شديد يخشون عبور الحدود من العُصاب إلى الذُهان.. أو فقدان العقل، وهو عرض مُزعج يشكِّل هاجسًا لكثير من المُضطربين نفسيًا.
إن التوتر والقلق والضجَر والخوف، والضغوط STRESS، ذلك الإجهاد الجسدى والنفسى، الذى يُسببه ظرف حياتى قاس أو فكرة مُحبطة، مع الغضب والانفعال الشديد ورد فعل لموقف صعب، كاحتياج شديد فى ظلّ ظروف صعبة، وأحيانًا ما يكون مفيدًا لتحفيز الإنسان على النجاح وإتمام مشاريعه الخاصة، أما الذهان فهو فقدان الصلة بالواقع والانفصال عنه، وتتضمن سماع أو رؤية أشياء غير حقيقية، أو الإحساس بأن هناك أفكارا أو مشاعر اضطهادية وضلالات تنافى الواقع.
التوتر يقع ضمن اضطرابات «العُصَاب» والثانى فى «الذهان»، الإجهاد الشديد والتوتر العالى قد يدفعان الإنسان إلى إحساس غريب بالانفصال عن الواقع، كسماع صوت غير موجود، أو كما لو أنه فى الغرفة ظلّ أو شخص، كامرأة فقدت بيتها واضطرت للانتقال إلى بيت حماتها، فغيَّرت مكانها وذكرياتها وراحتها، واضطرَّت إلى السَكن فى غرفةٍ بمفردها، فتهيأ لها أن هناك من يجلس فى انتظارها فى الخارج ويتحرش بها ويودّ معاشرتها، ففسَّرت تلك التخيلات على أنها عفريت دخل المكان، كُل ما فى الأمر أنها فقدت الصلة بالواقع، لكنها لم تعان من الذهان لأن قواها العقلية ظلَّت مُتماسكة، لكنها تفككت بسبب الضغط الهائل للظروف، وآخر يعيش مع والده بمفردهما وعليهما ضغوط مادية لا تُحتمل، وأبوه يضغط عليه من أجل التأقلم مع الظروف الجديدة، فيكون القلق شديدًا، مما يفقده الصلة بالواقع، وأن هناك من يناديه وكأنها أمه المُتوفاة، وهناك من يضغط عليها زوجها بكل السبل وبكل الطرق مما يجعلها تفقد ثباتها الانفعالى وتوازنها نفسى فتنفك أواصرها وتصرخ وتبكى مما يجعله يصورها وكأنها تعانى من فصام العقل.
سؤالنا هنا: إلى أى مدى من الممكن للتوتر الشديد والإجهاد العصبى والنفسى والجسدى أن يؤدى إلى الانفصال عن الواقع أو الإصابة بتوتر بسمت الذُهان.
إن التوتر بسَمْت الذُهان يختلف عن الاضطراب الذهانى الفعلى فى العلاج بغض النظر عن اضطراب كيمياء المُخ العصبية، من المهم أن يتلقى الشخص تشخيصًا دقيقًا وعلاجًا عاجلا للسمات الذهانية والاضطراب الكامن وراءها.
التوتر بسمت الذهان عادةً ما يكون قصيرًا وعابرًا، وقد يشعر الشخص وكأنه يفقد السيطرة بسبب شدة قلقه، لكنه لايزال على أرض الواقع، وبعد علاج التوتر تزول الأعراض الذهانية.
أما الاضطرابات الذهانية، فتستمر أعراض الذهان لفترة أطول وتؤثر بشكل كبير على قدرة الشخص على العمل فى الحياة اليومية، ولا يكون على دراية بهذا الانفصال، لذلك فإن التشخيص الدقيق أمرٌ بالغ الأهمية، لكن إذا تأخر التشخيص أو أُسىء تطبيقه، فلن يتمكن المريض من تلقى العلاج اللازم فى حينها، وعندئذٍ قد تتفاقم الحالة بشكل كبير، لذلك إذا كنت أنت أو أى شخص تعرفه يعانى من أعراض ذهانية، فمن المهم أن تحصل على عناية طبية على الفور، بالتواصل مع أى مكان للعلاج النفسى المتخصص.
كما تعتبر اضطرابات القلق والذهان على حدٍ سواء مزعجة ولا يمكن تجاهلها، لأنها إذا تُركت دون علاج ستزداد الحالة سوءًا، وهناك مخاطر الأفكار والمحاولات الانتحارية.
يتطلب القلق الشديد وحده علاجًا بنفسٍ طويل. مع رعاية الأطباء وإخصائيى الصحة النفسية فى بيئةٍ علاجية شاملة، يتلقى فيها المُتعالِج تقييمًا كاملًا ومستمرًا، بالإضافة إلى خطط علاج فردية تأخذ فى الاعتبار جميع جذور المشاكل الشخصية.