قتل الأبناء : المخدر والاكتئاب الذهاني
سأل اللورد ويللينجتون عابر سبيل (هل يمكن لساحر أن يقتلَ الناس بسحره)، أجاب عابر السبيل (من الممكن للساحر أن يقتل لكن الجنتلمان لا يستطيع).
فى هذا الزمان أصبح الرجل الطيب الرقيق القلب الخلوق قاتلًا للأطفال وهو تحت تأثير مُخدِّر مُخلَّق صناعيًا (الاستروكس)، مُخدِّر يخلق حالة من الذهان (الجنون)، تختلطُ فيها الهلاوس بضلالات الفقر.. هذا ما حدث مؤخرًا فى دمياط، ألقى الأبُّ بطفليه من أعلى كوبرى فارسكور فى الترعة.
كان الأب يهذى بكلماتٍ غير مفهومة، برَّر قتله لطفليه بأنه يريد أن يخلصهما من ضغوط الحياة، وأن يضمن لهما دخول الجنة، ثم دخل فى نوبةِ بكاءٍ هيسترى.
نتوقف هنا على ما قاله الأب بعدئذٍ (أحب أطفالى جدًا، أنا لا أستحقهم ولم أرِدْ أن أكون سببًا فى تعبهم فى الدنيا)، هو وَرَثَ أرضًا تساوى 1.5 مليون جنيه. الصور توضح رجلًا (جنتلمان) يحمل طفليه ويلهو معهم، لكن فى الوقت نفسه نرى رجلًا غامضًا فيه الكثير من النرجسية والإحساس بالعظمة، فى صورة أخرى يظهر ابنه وهو يلهو ببندقية آلية لعبة (ثقافة العنف)، فى هذه الحالة تحديدًا هناك الإنكار واختلاق روايات مُختلفة قبل الانهيار والاعتراف، تعاطى (الاستروكس) ليس مُجرَّمًا فى مصـر بعد، ويجب إدراجه فورًا هو و(الفودو).
الاستروكس نوعان منهما الأخضر، وهو نبات البردقوش مرشوشٌ عليه مادة كيمياء مُصنَّعة (الأتروبين، الهيوسين، والهيوسايمين) التى تعمل على الجهاز العصبى الذاتى. مما يُسببُ خللًا فى الرؤيةِ والإدراك، مع هلوساتٍ سمعية وبصـرية كإحساس المدمن بأنه قد مات وأنهم يُغسِّلوه الآن.
غالبًا أن الأب يعانى من الاكتئاب الذهانى الجسيم المُقَنَّع غير الصـريح، الذى من أعراضه الضلالات وفقدان الصلة بالواقع، فى هذه الحالة تكون الضلالات ضلالات الفقر أى أنه يخشـى ويخاف من الفقر بشكل مرضى، على الرغم من امتلاكه الملايين، يتمَّكن منهُ الاكتئاب وتقسو عليه الضلالة؛ فينكر أى حقيقة تتعلق بأمانه وأمان أولاده، ومن ثم يقتُل أولاده بدم بارد خارج إطار الوعى (عملية تسمى الانتحَار المُمْتَد ــ قتلُ أولادِك فلذات كبدك قتلٌ لنفسك)، ثم يذهب إلى الشرطة ويعترف، إحساسٌ مُضخَّم بالذنب من أب قاتل تجاه ما فعله بأولاده، إحساس أتى متأخرًا فى لحظة الإفاقة واستعادة الوعى، وأيضًا تمنّى العقاب ورغبة فى الموت واللحاق بهم كما قال فى التحقيق، ربما لأنه ليس شريرًا (سيكوباتيا) بحقّ، لكنه مريض خطير الأعراض والأفعال، (زوِّد الطينة بلّه بتعاطى الاستروكس).
هناك حالات أخرى مثل ذلك الأستاذ الجامعى الجرّاح الذى ضرب ابنه حتى الموت وألقى به فى الشارع، هذا مجرم سيكوباتى، قام بفعلته لأنه انفعل على ابنه بقسوة لأنه أخذ منه خلسةً 400 جنيه، وكان الحادث فى دمياط أيضًا.
أبٌ آخر يقتل ابنه أمام أمه فى الشارع، وآخر يقول (قتلت ابنى لإبعاده عن المخدرات- كنت عاوز أخليه أحسن منى)، هنا يختلط النفسـى مع الاجتماعى مع البيولوجى بمعنى أن كل هؤلاء القتلة لديهم (استعداد خفى لقتل أبنائهم على الرغم من أنهم يبدون رجالًا عاديين (جنتلمن).
الحالة تُسَّمى الحالة بالإنجليزية filicide الضحايا فيها من الأبناء يكونون 6 سنوات أو أصغر. أما الأكبر من ذلك فهى حالات قتل عادى يكون فيه الطفل لديه مشاكل مثل الإدمان، الفشل الدراسى، سوء السلوك العام، العنف الذى يبدأ مدرسيًا، أو أن يعاقب الوالد ابنه بعنف سادى يصل إلى حدّ القتل، وهكذا.
لكن ما هو الحل، فى دولة بحجم مصـر، يجب إقامة مراكز للصحة الأولية فى كل منطقة، نؤسس فيها لمفهوم طبيب الأسرة، الذى يسجل عن كل فرد كل شىء على برنامج قاعدة بيانات، يكون متصلًا بمراكز خاصة بحماية الأسرة، تتفادى روتين وزارة التضامن الاجتماعى وتتبع الصحة وجهةٍ أكبر مسؤولة، أن يتم فحص الأب أو الأم فى حالة الشك فيهما، أن يكون هناك نظام فيه الإخصائى الاجتماعى والنفسـى، والمُمرِّض المجتمعى وطبيب الأسرة كجزء من الفريق العلاجى الوقائى، نحدِّدُ من الذى قد يكون خطرًا، نوضِّح كل الاحتمالات، نحللها، نوضِّحها، نبحث عنها، نفتش فى الأعماق، لأننا بالفعل فى خطَر، خطرُ الموت وخطر الطلاق. الأسرة المصرية فى خطر حقيقى وهذا فى حدِّ ذاته قضية أمن قومى.