غِلظَةُ الحياة وشدّتها.. والمرضُ النفسى
إن قسوة الحياة قد تغلب قدرتك على التعامل، ومحاولتك التغلب على ما يمرّ بك من تجارب مؤلمة سواء كانت فقدًا أو مآزق مادية أو إصابة مُفاجئة، وهذا بدوره يُمهِّد الطريق لاضطراباتٍ نفسية شتَّى.
ذهب شاب يشكو شدّة مرض الصدفية إلى دكتور الأمراض الجلدية، الذى بدأ معه علاجًا جديدًا، وأخبره بوجوب استشارة طبيب نفسانى، وثب كما لو لدغته عقرب، ليس خوفًا بل لأنه كان يتجه إلى ضالته المنشودة، وأدرك أنه بحاجة ليُفرغ ما فى بطنه من مشاعر وانفعالات وأحداث إلى متخصص، وأنه سيجد الإجابة هناك، ربما، عاود الطبيبين النفسانى والجلدى، وتقدمت حالته جدًّا بالعلاجين.
واكتشف أنه كان مكتئبًا ومنزعجًا بقدرٍ لم يستوعبه، وأن الصدفية كشفت ما هو على الجلد، أما الاكتئاب فكمن فى العقل الباطن، وأنه قضى سنواتٍ من عمره قبل العلاج، أكل هذا التأخير من جودة حياته وشبابه وسنوات إنتاجه ورغبته فى العيش سعيدًا.
إن الصحة النفسية دائمًا ما تكون على المَحَكّ عندما تُختَبَر فى مكانين.. إما تربية فظَّة، أو أنك تحمل بين ثناياك عوامل وراثية حاملة للمرض، إذا اجتمع هذان العاملان بشكلٍ أو بآخر تعقدت المسألة للغاية، لكن هناك ممراتٍ آمنة لحلِّ الاضطرابات النفسية، حتى فى أحلك الظروف حين تنعدم القدرة على التوازن النفسى والثبات الانفعالى، وعدم التَمكُّن من الإنتاج والحب.
تستوجب الأمور أن تحل مشاكلك بالتوازى مع السعى للعلاج النفسى، ففى ظل ما تطحنه رحَى الحياة اليومية من شظف، وتغوُّل فى الأسعار، وتدنِّى الأخلاق، وصعوبة الاحتكاك اليومى بالآخرين، أمورٌ عنيفة قد تدفع صاحبها إلى الحائط ولا تترك له مهربًا.
إن تحديد تلك الظروف التى تمرّ بها سيساعدك كثيرًا على تحديد أهدافك، ومن ثَمَّ تتعامل معها واحدة تلو الأخرى، محاولًا حلّها، أما أن تترك الحبل على الغارب، وتدَع السكين فى الزبد يسرقُك ويسرقُ وقتك فلا تدرى من أين تأتيك الضربات؛ فهذا هو الغَرَق بعينه.
أربعة أحداث جسام: «عدم القدرة على الإنجاب والإجهاض المتكرر، والإصابة بمرض مزمن أو عُضال، والطلاق، والبطالة»، كل واحدةٍ من تلك التجارب الأليمة تُمثِّل أزمةً ودوامةً منهكةً للنفسِ والجسَد، قد تدعو إلى اليأس وعدم القدرة على استشراف المستقبل.
وللأسف أن معظم الذين يمرون بتلك الأحداث الصعبة لا يسعون إلى العلاج النفسى؛ لأنهم ينكرون ما بهم ويركزون على ما حلّ بهم عضويًّا وماديًّا فقط، ولا يسعون إلا إذا أُرشدوا إلى تغيير البوصلة لتغيير نظرتهم إلى الحياة.
إن عدم القدرة على الإنجاب والإجهاض المتكرر يترك فى النفس جروحًا يصعب التئامها، فهذا نوع من العجز والعزلة والفقد وعدم القدرة على العطاء، والإحساس بالخزى وسط العائلة المُمتدَّة، ويظل هناك ما يُكتم فلا يقال.
كثرٌ من شُخِّصُوا بالمرض الخبيث، وتصيبهم الصدمة فى صمت، ويتلقون العلاج بعيونٍ ذابلة وتوتر واكتئاب. هم وذووهم، هذه الحالات بعضها يتحسَّن، والبعض الآخر يتعثر، ولكن هناك علاجات ومراكز تنتشر فى كل مكان، وهناك أمل يراود الكثيرين.
تثبتُ بعض الدراسات أن الاكتئاب يسبق ظهور أعراض السرطان فى بعض الحالات، بمعنى أن جهاز المناعة يهبط بعدما يكون الجهاز النفسى قد هبط بالفعل، ومرضى القلب والسكتة الدماغية معظمهم يعانى اكتئابًا وتوترًا.
أما الطلاق فهو أكثر أحداث الحياة صعوبة، والبطالة مشكلةٌ كبيرة؛ فالعاطلون غير قادرين على الإنتاج، ويحسِّون بأنهم بغير فائدة، والبطالة فى حد ذاتها عاملٌ ضاغط فيه مذلَّةٌ وهوان.
مارس الرياضة بانتظام، وتناول طعامك بشكل صحى، وتواصل مع الداعمين لك، ونَمْ عميقًا.. تحلَّ بالقوة والأمل؛ فلكل عقدةٍ حلّ وحلّال.