وهن دار الأوبرا وجمهورها.. دموع الخديو إسماعيل
أعتقد أن الخديو إسماعيل ذرف الدمع مِدرارًا عندما أحرقت دار الأوبرا الملكية، التى افتتحها فى
١٨٦٩، استعان إسماعيل بمهندسين إيطاليين، وصممها وبناها المهندسان الإيطاليان أفوسكانى وروسِى، وعُرضت عليها أوبرا «ريجوليتو» و«عايدة» و«لا ترافياتا» و«حلاق إشبيلية»، وأعتقد أن إمبراطور اليابان يبكى وأبكى معه، لما آل إليه حال الأوبرا البديلة بجزيرة الزمالك الآن.
إن ذلك الصرح العريق الذى كان رمزًا للرقى والفن الرفيع، بات يعانى من تراجع واضح فى مستوى التنظيم والانضباط، مما أثر سلبًا على تجربة الجمهور الفنية، وأدّى إلى حالة من الفوضى التى لا تليق بمكان يفترض أن يكون منبرًا للإبداع والاحترام، فوضى لم تأتِ من فراغ، بل نتيجة تراكمات طويلة من سوء الإدارة وغياب الرقابة والتهاون فى تطبيق القواعد الأساسية التى تضمن للجمهور والفرق الفنية أجواءً ملائمة للاستمتاع بالعروض؛ فمن أبسط قواعد احترام الجمهور والفن، الالتزام بالمواعيد والانضباط فى عملية دخول القاعة قبل بدء العروض، غير أن الواقع الحالى فى دار الأوبرا يعكس صورةً مغايرةً تمامًا، حيث أصبح التأخير فى بدء العروض ظاهرةً متكررة دون أى مبرر واضح، سواء بالنسبة للفنانين أو الجمهور، والأسوأ من ذلك، السماح للجمهور المتأخِّر بالدخول أثناء العرض، مما يخلق حالةً من التشويش وعدم الاحترام لمن حضَر فى الموعد وانتظرفى مقعده منذ البداية.
فى العديد من دور الأوبرا والمسارح العالمية، يُمنَع دخول المتأخرين بعد بدء العرض، ليس فقط احترامًا للفنانين ولكن أيضًا حفاظًا على التركيز والانغماس فى التجربة الفنية، أما فى دار الأوبرا المصرية الآن، فيبدو أن هذا المبدأ غائبٌ تمامًا، حيث يُسمح للمتأخرين بالدخول فى أى وقت، حتى قبل نهاية العرض بقليل، مما يحوِّل القاعة إلى سوق مفتوحة يقوم فيها الملتزمون من مقاعدهم ليُجلِسوا المُتأخرين، مما يفقد العروض الفنية هيبتها وسحرها.
إن الأمر لا يقتصر فقط على الجمهور المتأخر، بل يمتد إلى ضعف أداء المسؤولين عن التنظيم داخل المسرحين الكبير والصغير، الذين يفترض أن يكون دورهم الأساسى هو الحفاظ على النظام والانضباط، إلا أن الواقع يظهر تهاونهم الشديد، سواء فى ضبط عملية الدخول، أو فى التعامل مع الجمهور غير الملتزم، ويبدو أن الإدارة تفضِّل غضّ الطرف بدلاً من البحث عن حلولٍ جذرية تعيد للمكان هيبته.
وعلى الرغم من إرسالى برقية رسمية إلى رئيسة دار الأوبرا، إلّا أن صوتى ذهب مع الريح، وهذا التجاهل يعكس أزمةً أعمق تتجاوز مسألة التنظيم، إلى أزمةٍ إدارية تتمثل فى عدم الاهتمام بآراء الجمهور الذى يُفترض أنه العمود الفقرى لأى نشاط ثقافى.
لا يمكن إنكار أن جزءًا من المسؤولية يقع على عاتق الجمهور غير المُلتزم بالمواعيد والذى لا يحترم قواعد المسرح، غير أن المسؤولية الأكبر تقع على إدارة دار الأوبرا ووزارة الثقافة، اللتين تسمحان بهذا العبث دون اتخاذ أى إجراءاتٍ حاسمة؛ فمن المفترض أن تكون هناك قوانين صارمة تمنع دخول المتأخرين بعد بدء العرض، مع وجود رقابة مشددة على أداء المشرفين لضمان التزامهم بمهامهم.
إن ما يحدث حاليًا هو تهاون واضح من قبل الإدارة، وكأن الهدف تشغيل القاعات، بل مجرد دون أدنى اعتبار لقيمة الفن أو احترام الجمهور، وليس الارتقاء بالمستوى الثقافى، إن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، وإلا فإن دار الأوبرا ستفقد مكانتها، ليس فقط كمركز ثقافى، بل حتى كوجهة محترمة للعروض الفنية.