مقال

سيكوديناميات ضعف الانتصاب الناتج عن إدمان المواقع الإباحية (PIED)

بواسطة
في
أبريل 18, 2025


قال الشاب العشرينى مواجهًا طبيبه النفسانى ممسكًا بموبايله قائلًا: «لن أتزوج إلا امرأة Curvey، مثل هؤلاء اللاتى هنا، ولا بد لها أن تسلك سلوكهن وترتدى ملابسهن.. أنا أدفع لهن على الموبايل، ومن خلال الشاشة ألمسهن وأقيمُ علاقة كاملة معهن، ولكن حينما أواجه بامرأة من لحم ودم فلا أحس بأدنى رغبة، من ناحيةٍ أخرى هناك زوج يعجز عن إتيان زوجته ويسهر الليلة يعاشر الشاشة التى تضج بالألوان والنساء وكل أنواع الشهوات المباحة افتراضيًا فقط، ولما أذّن الديك فى الصباح لم تسكت شهرزاد عن الكلام، وقالت إنه «ضعف الانتصاب الناتج عن إدمان المواقع الإباحية» (PIED)، إنه اضطراب يصيب بعض الرجال الذين يدمنون على مشاهدة الأفلام الإباحية؛ فيجدون صعوبة فى الاستثارة أو الحفاظ على الانتصاب أثناء العلاقة الحقيقية مع نسائهم، وعلى الرغم من أن لهذا الاضطراب بعدًا بيولوجيًا يرتبط بمستقبلات الدوبامين فى الدماغ، إلا أن البعد النفسى العميق له لا يقل أهمية، بل يفتح أمامنا أبوابًا لفهمٍ أعمق لجوانب الذكورة، والرغبة، والهُوَية الجنسية، والعلاقة بالذات، والآخر.
تبدأ جذور هذه المشكلة أحيانًا فى سن مبكرة، عندما يكتشف الطفل أو المراهق جسده، فى بيئةٍ يغيب عنها الحوار الصحى عن الجنس، ويغلب عليها التوتر أو التناقض، وفى بعض الحالات، يكون الأب غائبًا أو قاسيًا، أو تكون الأم متحكمة أو باردة عاطفيًا، هذه البيئة تُنتج شعورًا داخليًا بالذنب أو العار المرتبط بالجسد والرغبة الجنسية.

فى ظل هذا المناخ، تصبح الإباحية ملاذًا آمنًا.. عالم يمكن التحكم فيه، بدون خجل أو رفض أو فشل؛ ففى الخيال الإباحى، لا توجد مواجهة حقيقية، ولا حاجة للتعبير عن المشاعر أو التعامل.

وهكذا، يبدأ الشاب فى ربط المتعة الجنسية بالانعزال، والخيال المبالغ فيه، والاستجابات السريعة وغير الواقعية، ومع الوقت، يبدأ العقل فى التعلّق بالخيال الجنسى أكثر من الواقع،
وتصبح العلاقة الجنسية مع الزوجة أقل إثارة، لأنها لا تحمل نفس الشحنات البصرية، أو السيناريوهات المثالية التى تقدمها المواقع الإباحية. والأسوأ من ذلك، أن الجسد نفسه يعتاد على نمط معين من التحفيز السريع، والمتكرر، والموجَّه بصريًا؛ فلا يتمكَّن من الاستجابة بشكل طبيعى للتحام الإنسانى الحقيقى، وهنا يتولد الصراع داخلى: «الهُوَ» يريد الإثارة والمتعة، و«الأنا الأعلى» يشعر بالذنب والخجل، و«الأنا» يقف حائرًا أمام فشل الاستجابة الجسدية، فشلٌ رمزى، فشل فى إثبات الذات، فى الرجولة، وفى القدرة على التواجد الإنسانى الشهوانى الحقيقى.

وقد يتحول الاستخدام المفرط للبورنو إلى عادة قهرية، تُستخدم للهروب من مشاعر القلق أو الفراغ أو حتى الحزن.

من المنظور السيكوديناميكى، ترتبط الذكورة ارتباطًا عميقًا بصورة الأب، وبنمط العلاقة معه؛ فإذا كان الأب ناقص الحضور، أو كثير النقد، أو غامض المشاعر؛ فذلك يُنتج قلقًا داخليًا حول الهُوَّية الذكورية، ويصبح الجسد نفسه محل شك، ويصير الانتصاب تحديًا وجوديًا، وليس فقط وظيفة بيولوجية، أما فى إدمان المواقع الإباحية، لا يوجد هذا التحدّى، الانتصاب «يأتى وحده»، ولا يوجد خطر الرفض أو الفشل، لكن فى العلاقة الحقيقية، يظهر هذا القلق الكامن.. هل أنا كافٍ؟ هل سأُرضى الطرف الآخر؟ هل سأكون مقبولًا؟

إن علاج PIED لا يقتصر على التوقف عن مشاهدة البورنو، بل يتطلب فهمًا عميقًا للجذور النفسية، والمخاوف الدفينة، والتصورات المشوّهة عن الجسد والحميمية، وفى العلاج الديناميكى أو التحليلى، يمكن للشخص أن يستعيد علاقته بذاته، ويفهم كيف ولماذا فصل بين المتعة والعلاقة، ويحتاج الأمر إلى العمل على اكتشاف أصل الشعور بالعار أو الذنب الجنسى، وفهم علاقة الفرد بوالديه، وتأثيرها على نظرته لذاته وجسده، وتحرير الخيال من القوالب الإباحية الجامدة، والسماح للحميمية بأن تنمو فى سياق إنسانى عاطفى غير حيوانى، فى النهاية؛ فإن PIED ليس مجرد خلل جسدى، بل رسالة من الجسد والنفس معًا، تقول إن هناك شيئًا مفقودًا ليس فى القدرة، بل فى العلاقة، وفى الوجود الحقيقى مع الآخر، تلك الزوجة التى تشعر بالهجر، وفقدان الأمان العاطفى والجنسى، وتُحِسّ بأنها غير مرئية، وتتألم من برود زوجها، وتتساءل عن أنوثتها وتتشكك فيها، وتعيش فى صمتٍ مؤلم مليء بالشك والخذلان والوحدة.

TAGS
RELATED POSTS

LEAVE A COMMENT

خليل فاضل
القاهرة، مصر

كاتب ومحلل نفسي، قاص وروائي، يعالج بالسيكودراما الحديثة في مصر، له مقال أسبوعي كل يوم جمعة ينشر في صحيفة المصري اليوم، كما تشهد له قنوات اليويتيوب بعديد من اللقاءات السخية نفسية واجتماعية، كما أنه يمارس مهنة الطب النفسي منذ حوالي 41 سنة

بحث
أحدث التعليقات