غموض وفوائد الشجار الزوجي
جلس الزوجان متجاورين لا ينظران إلى بعضهما بعضاً، كما هما أثناء مشاهدة التلفزيون، وكما فى البيت.. يتفاديان المواجهة، بل يتحدثان إلى الحائط أو الفراغ، وعندما تحدث بعض الشوشرة من الشارع أو من الجيران، يزداد الأمر سوءًا، ولكن حتى فى الصمت الرهيب لا يسمع أحدهما الآخر!
قاد الزوج سيارته وامرأته إلى جواره، وابنتهما فى الخلف، لم ينبس أحدهما ببنت شفة، ولما وصلا إلى الطبيب النفسانى عَدَّل من جلستهما؛ فصارا متقابلين وجهًا لوجه، ومع ذلك كان كل منهما ينظر إلى الحائط الذى خلف الآخر فقط.
عندما بدأ الرجل الحديث فى مواجهةٍ مزعومة، كانت برائحةٍ اضطهادية «بارانوية Paranoid» قال: «إنك تتحدثين عنى بالسوء فى الأوساط العائلية»، ردَّت الزوجة: «أنت من تظن ذلك، إنك لم تلمسنى منذ ٢٠ سنة، ونحن متزوجان منذ ٣٠ سنة؟»، نظر إلى الأرض ثم إلى السقف، وقال: «ربما.. لدى الكثير من المشاكل العضوية والمادية والنفسية»، ثم تثاءَب وأغمض عينيه، صرخت فى وجهه: «رُدّ علىّ»، قام منتفضًا مذعورًا، متسائلًا لمَ هو هنا، وفتح الباب ومضى إلى حال سبيله، قالت المرأة: «أنا داخلة على دور اكتئاب، إن حياتى متجمدة، ولا عُذر له، ولا مشاكل تتسبب فى أنه لا يلمسنى، لا يربت على ظهرى، لم أقل يضاجعنى».
سأل صحفى كهلًا: «من الواضح أن لديكما زواجًا رائعًا، ما هو سرِّكما؛ فأنا أعانى فى زواجى، تُرى ما هى مكونات الزواج الجيد؟». قال الزوج «نحن متزوجان منذ سبعين عامًا، وقد خُضنا معركة زوجيةً واحدة فقط»، قال الصحفى مذعورًا: «شجار واحد فى سبعين عامًا؟ هذا مذهل! كيف تمكنتما من خوض معركة واحدة فقط، خلال سبعين عامًا؟»، ابتسمت الزوجة للصحفى وقالت: «ما لم يخبرك به هو أنها كانت نفس المعركة لمدة سبعين عامًا!».
حقيقة الأمر هى أن معظم الأزواج، لديهم مشكلة واحدة على الأقل لم يتم حلها، فى علاقتهم التى يتقاتلون عليها باستمرار، إن جميع الأزواج سيواجهون مشاكل دائمة، قد لا يتم حل بعضها أبدًا طوال عمر الزواج، على الرغم من أن المشكلة قد تتخذ أشكالًا عديدة، إلا أن جذورها عادةً ما تكون هى نفسها، على سبيل المثال لا الحصر، قد يتجادل الزوجان حول الجنس والمال والأبناء، مع عدم الاعتراف بأن الجَدَل يتعلق حقًّا بمن يتحكم فى هذه الأمور، ويبدو أن تلك المشاكل تتفاقم طوال مدة العلاقة، ويمكن أن تؤدى إلى ازدياد الهُوّةِ بينهما؛ ثم لا قدّر الله الطلاق.
إن المشاجرات الزوجية، والشدّ والجذب بين شريكين تحت سقف واحد، تكون مضطربة ومزعجة، على الرغم من أن هناك دائمًا أسبابًا تدعو لهذه المواجهة وهذا الاختلاف، هناك معارك زوجية بعينها، تحدِّد كيف تنمو العلاقة بين الشريكين على مر السنوات، وأنا لا أعنى هنا العراك بالأيدى، أو الشجار الذى يُفقِد الاحترام أو الإهانة أو التقليل من الشأن، ولكن أعنى الشجار الصحى، إذا صَحَّ قول بين زوجين من أجل البحث عن شىءٍ ما مفقود فى علاقة قد تبدو غامضة، على الرغم من أنهما يشتركان فى كثيرٍ من الأمور ظاهريًّا، لعل أهمها الفراش.
تبدأ المعارك الزوجية بمكالمة، بــ sms بسؤال، بإجابة غير مقنعة، بإدارة الوجه الناحية الأخرى، أو إظهار الامتعاض، إن الشِّجار الزوجى يسمح لنا بالتعبير عن مشاعرنا واحتياجاتنا، باحترام وفهم عميق بعمق العلاقة وأصالتها، وبالمقابل فإن الكبت والكتمان وإغلاق الصدور على مكنوناتها المُرّة، سيؤدى إلى سوءِ فهم قد يثمر عن إحساسٍ طاغٍ بالظلم لدى أحد الطرفين أو كليهما، بينما تكشف المواجهة ما فى الأعماق، ومن ثمَّ يتكوَّن إحساسٌ مُريح بالثقة والحميمية
إن الشجار يسمح بإطلاق تلك الطاقة الكامنة، المؤثرة سلبيًّا على الجسد والعقل؛ فنتجنب الأعراض النفسجسمية، كالألم المزمن والقولون العصبى، أو الأعراض النفسية المطلقة كالخوف والاكتئاب.
إن تجاهل الشريك للآخر يُمثل مشكلةً أكبر من الشجار؛ فعندما يتعارك الزوجان يظهر كل منهما على حقيقته، ويظهر ما فى جعبته من خفايا أو ظنون أو أفكار متراكمة، أو جوانب شخصية نجح فى إخفائها، وبالتالى فإن هذا الشجار هو تعبير حُر بدون تزويق.
«مشكلة الزواج أنه ينتهى كل ليلة بعد ممارسة الحب، ولا بد من العودة إلى بنائه كل صباح قبل تناول الفطور».. ماركيز.