نرجسية العصر الرقمى
زمان.. كانت الأنا تُكوّن عبر شبكة علاقات حية، فى إطار أسرة، مجتمع، ومؤسسات حقيقية، مع دخول الإنترنت وما تلاه، تفككت الأواصر، وأصبح الإنسان يرى الآخر عبر شاشات متبادلة، إن العصر الرقمى، بشبكاته الافتراضية، هزَّ هذا البناء السيكودينامى من جذوره. وأعاد مفهوم «الذات» فى اتجاه يُضخّم النرجسية، ويفكك صلابة الهوية، ليتحول الآخر من «مرآةٍ واعية» إلى «سطح لامع مُهَشّم»، وكم من شبابٍ ونساء يجرجرون أقدامهم إلى العيادات النفسية، بإحساس مركب يعكس إحباطًا وألمًا.
إن النرجسية الرقمية ليست مجرد حب الذات؛ بل هى استلابٌ لها فى صورة مُلفّقة، ومزخرفة، تبحث عن تأييد فورى، متواصل، وسط جموعٍ مختفية، فيصبح ضحية التنمر والتهميش متعطشًا للانتباه Validation Junkie، يلهث وراء الإعجابات likes، والمشاركات، وكأنها «الدماء النفسية» التى تغذى هشاشته الداخلية.
إن الآلية الأساسية هنا، هى اختلال علاقة الذات بالآخر، حيث لم يعد الآخر حقيقيًا بما يكفى كى يحدث تصحيحًا نرجسيًا narcissistic correction، بل صار مستهلِكًا لصورة الذات أو متفرجًا عليها. وهكذا يغيب التصحيح الواقعى، وتتعزز التمركزية حول الذات، عبر قنواتٍ خادعة. ليعيش الفرد فى علاقة مع صورته، لا مع ذاته ولا مع الآخر