مأزق الذكورة الجريحة.. عقاب الزواج الثانى

فى أحياء القاهرة القديمة أو المدن الجديدة، وفى الريف أو الصعيد، يتكرر هذا المشهد، وإن اختلفت التفاصيل. رجلٌ يشعر أن زوجته «خنقاه»، غيرةً أو تدقيقًا أو تساؤلًا مستمرًا؛ فيقرر أن «يعاقبها». لا بالحوار أو الانفصال أو المواجهة، بل بشىء يعتبره انتصارًا رجوليًا «الزواج بأخرى».. لكن، ما الذى يحدث فعليًا فى هذه اللحظة؟ وما هى الديناميات النفسية والاجتماعية التى تحكم هذا القرار؟

حين يقول رجل: «مراتى خنقانى»، غالبًا ما تكون هناك دائرة من الأحداث اليومية التى تتكرر، أسئلة عن التأخير فى العودة، نظرات تفحص الهاتف، نوبات من الشك أو الغضب، وقد تعانى الزوجة من قلق حقيقى، أو تاريخ من الخيانة السابقة، أو عدم أمان عاطفى مزمن. لكنّ المجتمع يختزل كل هذا فى كلمة واحدة: «غيورة».

الرجل، فى المقابل، لا يُمنح الأدوات النفسية أو الاجتماعية للتعامل مع هذه الغيرة، على أنها نداء للمشاركة أو محاولة للتماسك. بل يراها تهديدًا لاستقلاله، ذكوريته، أو سلطته. يخنقه هذا التوتر، ليس فقط لأن الزوجة «تخنقه»، بل لأنه عاجز عن التعبير عن هشاشته أو عن شعوره بأنه مراقب ومشكوك فيه.. هذا العجز يتحوّل فى كثير من الأحيان إلى سلوك عقابى.

قرار الزواج من أخرى، عند بعض الرجال، لا ينبع من رغبة حقيقية فى بناء علاقة جديدة، بل من رغبة دفينة فى تأديب الزوجة الأولى، فى إيذائها نفسيًا، أو فى إثبات أنه لا يزال مطلوبًا ومحبوبًا. وهو بذلك، من حيث لا يدرى، يضع نفسه فى مركز أزمة سيكولوجية معقّدة، لأنه لا يُبنى على حاجة حقيقية إلى الحميمية، بل ينبع من منطقة مظلمة فى نفس الرجل، منطقة الأنا الجريحة بحثًا عن ردّ اعتبار.

الرجل الذى يشعر بالهزيمة «حقيقية أو متخيّلة» فى زواجه الأول، لا يلجأ إلى التفكّر أو المصالحة أو التعبير عن الألم، بل يختار الطريق الأكثر صخبًا والأقل نضجًا، أن «يُثبت» لنفسه أنه ما زال مرغوبًا، قويًا، قادرًا على السيطرة… وللأسف فإن المجتمع، يمنحه المبرر، «هى اللى جابته لنفسها»، يقولون. «لو كانت طيبة ومطيعة، ما فكرش يجيب ضُرة!». وهكذا تتحوّل خيانته العاطفية إلى بطولة اجتماعية، ويتحوّل ألمها إلى «جزاء سنمار».

إن الزواج ليس فقط زوجًا وزوجة، بل انعكاس لبنية نفسية واجتماعية أعمق، فيها القهر، والمقاومة، والتراكمات غير المعالجة، والصمت المُمتد لسنوات، ويظن الزوج أنه بزوجته الثانية «يرتاح»، لكنه غالبًا ما يجد نفسه فى دوّامة جديدة؛ فالعلاقة الثانية تبدأ من منطقة إثبات الذات، لا من الحب الحقيقى. وغالبًا ما يُقارن بين الاثنتين، ويعيش تمزقًا عاطفيًا وماليًا ونفسيًا. أما الأولى؛ فإما تنهار وتنهزم، أو تقرر أن تُعيد تشكيل ذاتها خارج عباءته، وفى الحالتين، تخسر العلاقة الأصلية جوهرها؛ فلم يعُد البيت بيتًا، بل ساحة معركة غير معلنة. ولم يعد الحب دفئًا، بل صار سلاحًا.

ماذا لو، قبل أن يُقدم الرجل على الزواج الثانى، أن جلس مع نفسه وسأل: لماذا تغار زوجتى؟ هل جرحتُها يومًا؟ هل تصرفت بطريقة جعلتها تفقد الأمان؟ وهل أنا فعلًا مستعد لبناء علاقة جديدة أم أننى أهرب فقط؟ ربما لو فعل ذلك، لاكتشف أن الحل ليس فى ضُرّة، بل فى جلسة مصارحة.