مقال

تراجيديا من قتلت زوجها ثم حضنته

بواسطة
في
مارس 1, 2025


كتبت المُتمكنة أمانى ضرغام فى المصرى اليوم: «استفزتنى، مثل كل المصريين، تصريحات قاتلة زوجها التى ضربته ثم جلست بجواره وأخذته بالحضن حتى مات!، وهى تصريحات تحتاج إلى طبيب نفسى ومتخصص فى علم الاجتماع ليفسر هذا السلوك الحاد المتضارب».
من منظور سيكوديناميكى، يعكس الأمر ظاهرة نفسية معقدة، حيث تتداخل مشاعر الحب والعدوان، مما يؤدى إلى سلوك متناقض وعنيف؛ فالتناقض الوجدانى (Ambivalence) تفسيرٌ أساسى هنا، حيث يمكن للفرد أن يحمل مشاعر حب وكراهية فى آنٍ واحد. يبدو أن هذه الزوجة كانت تعانى من مشاعر غضب وقهر متراكمة وحرمان عاطفى، وربما فى الوقت نفسه كانت لا تزال مرتبطة بزوجها وجدانيًا؛ فلربما يكون القتل فى هذه الحالة تعبيرًا عن رغبة لا واعية فى التملُّك المطلق، حيث يصبح الزوج جزءًا منها عبر إلغائه ككيان مستقل. كما أنها خاضت تجربة الموت بكل أبعادها، ويبدو أن العنف فى تلك الحالة كان الوسيلة الوحيدة المتاحة للزوجة للتعبير عن مشاعرها المكبوتة تجاه زوجها؛ فبعد أن مارست العنف، عادت إلى دور الزوجة الحنونة، وكأنها تلعب دورين متضادين فى مسرحيةٍ من فصلٍ واحد.
إن التجربة الانفعالية للطفل فى سنواته الأولى تؤثر بشدة على طريقة تعامله مع الآخرين فى المستقبل؛ فإذا كانت الزوجة قد تعرضت فى طفولتها للإيذاء الانفعالى أو الجسدى، فقد يكون سلوكها انعكاسًا لميكانزم دفاعى يُدعَى «التوحُّد مع الجانى» (Identification with the Aggressor)، حيث تتحول الضحية السابقة إلى جلاد، ثم تحاول إصلاح الجُرح الانفعالى عبر التعاطف مع ضحيتها بعد أذيتها.
يمكن وصف ما حدث بأنه لحظة فقدان مؤقتة للسيطرة العقلانية (Psychotic Break)، حيث دخلت الزوجة فى حالة من «انفصال الوعى» عن أفعالها، وهو ما يفسر كيف استطاعت الانتقال السريع من العنف إلى الحُضن، الذى قد يكون نتيجة ضغوط نفسية متراكمة لم يتم التعامل معها بوعى، مما أدى إلى انفجارها فى لحظةٍ حادة.

أما من منظور اجتماعى، فقد يكون الحدث انعكاسًا لواقع العلاقات، حيث يُكبَت التعبير الانفعالى بحرية بين الأزواج؛ فإذا لم يكن الاحتضان والتعبير عن الحنان متاحَيْن فى الأحوال العادية، فقد يتحولان إلى لحظةٍ نادرة تتجسّد فقط فى أقصى درجات التوتر والكارثة. بمعنى آخر، لم تستطع الزوجة أن تمنَح الحنان فى الحياة الطبيعية، فوجدت الفرصة مُتاحة فى تراجيديا شكسبيرية.

إن هذه الحادثة ليست مجرد جريمة عادية، بل هى حالة نفسية واجتماعية غنية بالدلالات؛ فهى تعبر عن عمق الصراع الداخلى الذى قد يعانى منه البعض فى علاقاتهم، وعن كيف يمكن للمكبوتات الانفعالية أن تتحول إلى أفعال غير متوقعة. هذه الحالات تستحق التحليل النفسى العميق، وربما استخدامها كنموذج فى دراسات علم النفس الجنائى والاجتماعى لفهم العلاقة بين الحب والعنف فى إطار الاضطرابات النفسية والاجتماعية.

إن العلاقة الزوجية فى المجتمع المصرى تحمل أبعادًا نفسية واجتماعية متشابكة تتأثر بعوامل ثقافية، اقتصادية، وتاريخية. يمكن تحليل هذه العلاقة من منظور سيكودينامى لفهم التفاعلات العميقة التى تحكمها داخل المنزل، بعيدًا عن الصورة النمطية المقدمة فى الإعلام والمسلسلات. فالزواج فى مصر يقوم على ارتباط قوى بين الزوجين، لكنه قد يعانى من ضغوط نفسية مكبوتة تنشأ نتيجة تراكمات اجتماعية وتاريخية. فى كثير من الأُسر، لا يكون الزواج بين فردين فقط كما يجب أن يكون، بل بين عائلتين، مما يخلق مستوى عالٍ من التدخل فى القرارات والممارسات اليومية. تشعر الزوجة أحيانًا أنها تتزوج الرجل وعائلته، مما قد يُحِدّ من استقلالية علاقتها به على مختلف المستويات: الاقتصادية، والجنسية، والمادية، وقضاء وقت الراحة، وتربية الأولاد، والعلاقات الاجتماعية، وقضاء الإجازات. حينئذٍ، يشعر الزوج بضغط التوفيق بين زوجته وأسرته.

إن النساء فى المجتمع المصرى غالبًا ما تتم تربيتهن على أن الزواج هو محطة النجاح الأساسية فى حياتهن، مما يخلق توقعات غير واقعية حول الرومانسية والدعم النفسى والمشاركة. أما الرجال، فيتم تحميلهم مسؤولية الإنفاق والحماية أكثر من كونهم شركاء عاطفيين داعمين، مما يجعل بعضهم أقل تفاعلًا مع الاحتياجات النفسية للزوجة. هذه الفجوة فى التوقعات قد تؤدى إلى إحباط متبادل دون تعبير واضح عنه، مما يخلق مشاعر مكبوتة قد تنفجر لاحقًا فى شكل خلافات حادة أو عنف نفسى أو جسدى.

TAGS
RELATED POSTS

LEAVE A COMMENT

خليل فاضل
القاهرة، مصر

كاتب ومحلل نفسي، قاص وروائي، يعالج بالسيكودراما الحديثة في مصر، له مقال أسبوعي كل يوم جمعة ينشر في صحيفة المصري اليوم، كما تشهد له قنوات اليويتيوب بعديد من اللقاءات السخية نفسية واجتماعية، كما أنه يمارس مهنة الطب النفسي منذ حوالي 41 سنة

بحث
أحدث التعليقات