د. آمال كمال وكتابها التخييل
د. آمال كمال، دكتورة فى التحليل النفسى بجامعة المنوفية، وصاحبة تجربة ثرية فى العلاج بطرق مختلفة، تسبر فيها غور النفس البشرية وتغوص فى أعماقها، وهى رئيس تحرير مجلة «علم النفس» الصادرة عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب» التى صدر عنها الكتاب.
للكتاب عنوان كامل «فى التحليل النفسى.. التخييل والأمراض السيكوسوماتية».. التحليل النفسى Psychoanalysis طريقة لاستكشاف العقل الباطن وفهم الإنسان ودوافعه وشخصيته وسلوكه عبر التداعى الحر وفهم الأحلام والأوهام والخيالات، طريقة طوّرها فرويد وساهم فى تعديلها، وشرحَها علماء كثيرون بعده، وهى تعتمد على التوضيح والمواجهة والتأويل.
أما «التخييل» فهو اسم من الفعل «تخيَّل».. والتخييلات أنواع مختلفة، منها الشعورية أو أحلام اليقظة، واللاشعورية وهى التى تكمن فى العقل الباطن، ويُعنى التحليل النفسى بكشفها.
ييسر التخييل الحيل النفسية الدفاعية، كالإنكار والتكوين العكسى والإسقاط.. والتكوين العكسى حيلة يسلك فيها الفرد سلوكًا يعبر به عكس الدافع الموجود لديه، كالزهو والتكبر الناتج عن الشعور بالنقص.. أما الإنكار فهو إنكار الواقع لتجنب الحقيقة المؤلمة له نفسيًا.. والإسقاط عملية لا شعورية يحمى بها الإنسان نفسه بالهجوم على الآخر وإلصاق عيوبه ونقائصه بالآخرين.
أما الأمراض السيكوسوماتية Psychosomatic، أى النفسجسمية، فهى فرع من الطب يركز على العلاقة بين النفس والجسم، وتلك الاضطرابات العضوية ذات العوامل نفسية المنشأ، كالقولون العصبى، والربو، (والإكزيما)، والسكر والبدانة.. وغيرها، التى يفرد لها الكتاب مساحة كبيرة.
الكتاب ثرىّ فى علمه، وسخىّ فى طرحه، وبذلت د. آمال فيه الكثير من الجهد لتجعله مرجعًا علميًا يستند إلى الكثير من الأصول والينابيع التاريخية والحديثة.
تناول الكتاب تطور مفهوم «التخييل» منذ أيام فرويد الأولى، وتعرض لنشأة المصطلح واستخداماته فى التحليل النفسى، بفهم أنواع التخييلات، ووظيفتها، وطبيعتها الصحية والمرضية. وأكد ندرة التخييلات لدى المرضى السيكوسوماتية ودراسة محتوى الأحلام والوجدانات.. ومن المناطق المهمة لأطباء الباطنة والأطفال فهم ما يدور فى أعماق المريض، وتخييلات مراحل النمو فى علاقتها بأعراض الحساسية لدى الأطفال، مع عرض حالات إكلينيكية من الواقع تشرح العلاقة وتوضحها.
ومن المدهش شرح عرض «مغص الثلاثة شهور الأولى للرضيع»، الذى قد يكون ردّ فعل للحماية الزائدة للأم، ويظهر فى صورة صراخ فى المساء قد تهدئ منه الرضاعة وقتيًا، فى حين لا يجدى أى دواء، ويستمر الصراخ لساعات ثم يتوقف.. ويرى العلماء أنه بعد الثلاثة أشهر ينتقل الطفل من المرحلة العضوية إلى النفسية بظهور «استجابة الابتسام»، وفى تلك المرحلة الحسّاسة تتشابك العوامل العضوية والنفسية.
لكن ما علاقة التخييل اللاشعورى بأمور حياتنا اليومية؟، يقول «أرلو» إنه أثناء انشغالنا، نلاحظ وجود هجوم من التفكير التخييلى على الواقع. وأرى هذا فى معظم مرضاى الذين يعانون من الضغط النفسى الشديد Stress ؛ فهم يهربون إما إلى تخييل جنسى يريحهم ويحميهم من الانهيار، أو تخييل مرضى حول الموت، وما قبله، وما بعده، وأثناءه، وما يتعلق به من أمور، مثل أحاسيس القبر، ثم الدخول مباشرة إلى «نوبات هلع» تتمحور حول «الموت» والتركيز عليه.
ويختفى كل ذلك بالعلاج الديناميكى الذى يفكك وعى المريض ويشرح له ما كان وما هو حاضر، مع مزج لطرق العلاج الحديثة فى مرحلة تالية بالتركيز على هنا والآن، والتأكيد على قبول العَرَض والمَرَض، والعمل سويًا مع المُحلل أو الطبيب، من أجل الوصول إلى عملية التشافى، كما أننى أحيانا ألجأ إلى إحداث التخييل أثناء الجلسة، مما يكشف الالتباس فى المشاعر الخاصة بالوالدين، وبالمعتدى فى الطفولة، وبالمعشوق، وبالمدنس والمقدس وما إليهما.
شكرًا للدكتورة آمال، ولهذه الإضافة المهمة للمكتبة العربية.