الأسر التي فقدت وظيفتها
ليس ما يجعل وشائج الأسرة قوية هو رابط الدم، ولكنه الاحترام والقدرة على بَثّ الطمأنينة والسعادة فى حياة بعضهم البعض.
الأسرة التى اختلت وظائفها وخرجت عن النمط الصحى، هى تلك التى يشكو أعضاؤها من انحدار فى مستوى الصحة العامة والنفسية، ومن تعذُّر القدرة على الاستمتاع بالحياة التى تكاد تخلو من الإيجابيات، إن ثمة تفاعلات معوجة بين أفراد تلك الأسر، لها جذور نفسية واجتماعية شتّى الحياة المُعاشة تكون سببًا وراء هذا الأمر الجَلَل.
من أهم خصائص تلك الأسر انعدام التواصل أو ضعفه، لأن التواصل الصحى إحدى أهم اللبنات الأساسية للعلاقات المُتميزة بين الناس؛ فالعائلات المفككة لا تستطيع الاستماع إلى بعضها البعض، لذلك يعُم سوء الفهم وعدم الانتباه أو أن يُكتَم ما يجب أن يُقال فى جو من الشفافية والصدق.
وقد يتحدث أفراد العائلة عن بعضهم البعض إلى أفراد آخرين فى العائلة، ولا يواجهون بعضهم البعض بشكل مباشر، مما يخلق سلوكًا عدوانيًا سلبيًا، وتوترًا وإحساس بالمرارة والألم.
الأسرة التى فقدت وظيفتها يشيع فيها الصراع وعدم الاستقرار، وتكون هناك إساءة نفسية وبدنية من قبل أولى الأمر، وقد يُجبر هذا أفراد الأسرة الآخرين على امتصاص السلوك السلبى واسترجاعه، وترجع الأسباب أحيانًا إلى وجود حالات من المرض العقلى غير المُعالَج، أو إدمان أى من أفراد العائلة، أو الاعتمادية والاعتمادية المُتواطئة.
بمعنى إذا اعتمد الشخص A على اعتماد الشخص B على المخدرات أو الفشل أو عدم الإحساس بالمسؤولية؛ فإن ذلك يعنى «الاعتمادية المتواطئة» أى أن الشخص A تواطأ مع الشخص B، وسهَّل له أن يظل مدمنًا وضعيفًا وخاليًا من القدرة على أن يعيش بشكل سوى.
كما أن انخفاض درجة الإحساس بالآخر.. أى فقر «المُواجدة» يُشكل إحدى سمات الأسرة التى فقدت وظيفتها، لأن الآباء لا يظهرون حبًا غير مشروط، ويبدأون وفى المساومة بمشاعرهم.
وبدلاً من محاولة فهم مشاعر أطفالهم، قد يغضب الوالد المضطرب أو يسخر من أبنائه، مما يجعل الطفل يشعر بالذنب أو الإهانة، هؤلاء الآباء يفتقرون إلى القدرة على التناغم عاطفيًا مع أطفالهم، ربما لأنهم لا يملكون تلك الثقافة، أو أنهم تربّوا فى صغرهم على هذا النمط الحياتى المعيب.
إذا أخذنا مثالًا لأب وأم وابنتين وولد، والولد مدلل إلى أقصى الحدود، إنه «ديك البرابر» الذى يُطاع ويُسمع ويغيِّر من قوانين البيت، مما يدعو إلى الدهشة والصدام بين كل فرد والآخر، وبينه وبين كل أفراد الأسرة، والأم تغلب شخصيتها شخصية الأب.
ونتيجة لذلك فان الأب كثير التوتر، ولا يستطيع التحكم فى انفعالاته ويخلق جوًا مشحونًا بالغضب، بنتٌ تجلس فى غرفتها ليل نهار ولا تحادث أحدًا وتعيش فى عزلة عن الأسرة وعن زملاء المدرسة، أما البنت الأخرى فهى على النقيض منها.
تخرج وتلعب وتصيح وتبكى وتطلب، تتكون معسكرات بين الأبناء وبعضهم البعض، وبين الوالدين، أو بين الأم والبنات، بينما الأب والابن فى جبهة مُتخيِّلة لا تربطها إلا المصلحة، إن ذلك سيؤثر على الحالة النفسية والبدنية للأولاد، وسيؤثر على مستقبلهم فى علاقتهم بالآخرين وعلى زواجهم ووظائفهم.
لا توجد أسرة خالية من المشاكل، لكن أمورًا كالإهانة والشجار العَرَضى، لا تُعتبر خللًا وظيفيًا، لكن عندما تتسبب السلوكيات المُعاكسة فى تعطيل التحقق والنمو والازدهار يختل الميزان الأسرى.
أى أن التربية والنشأة فى بيئة سامة قد يكون لها تأثير دائم، خاصةً فى مرحلة البلوغ وما قبله وبعده لأنها مرحلة حساسة، قد تقع فيها أكثر الأضرار قساوة، وتترك ندوبها لسنوات مُمتدّة.
ولنا عودة للموضوع لاحقًا.
28